خطبة بعنوان “أهمية التخطيط في حياة الأفراد والمجتمعات من المنظور الإسلامي” للدكتور خالد بدير
خطبة جمعه بعنوان:أهمية التخطيط في حياة الأفراد والمجتمعات من المنظور الإسلامي.
بتاريخ: 13 جمادى الأولى 1435هـ الموافق: 14 / 3 / 2014م
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: التخطيط في القرآن والسنة.
العنصر الثاني: عناصر التخطيط الناجح من المنظور الإسلامي.
العنصر الثالث: ثمرات وفوائد ونتائج التخطيط في الإسلام.
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: التخطيط في القرآن والسنة:
إن التخطيط أساس نجاح أي عمل من الأعمال؛ سواء في حياة الفرد أو المنظمة، وهو الطريق الذي يرسم بصورة مسبقة ليسلكه الفرد أو المنظمة عند اتخاذ القرارات وتنفيذ العمل، بشرط أن يكون وفق منهج فكري عقائدي متمثل بالإيمان بالقدر والتوكل على الله، والتخطيط سلوك إسلامي قويم، ومنهج رشيد حثَّ الإسلام على ممارسته في جميع شؤون الحياة؛ لأنه بالتخطيط يحقق المسلم فعالية في عمله وإنتاجه، وكفاءة في أدائه، والتخطيط الإسلامي هو: « إعمال الفكر في رسم أهداف مشروعة مع تحديد الوسائل المتاحة وفق الموارد المتاحة شرعًا، وبذل الطاقات في استثمارها؛ لتحقيق الأهداف في أقلِّ وقتٍ ممكن، مع تعليق النتائج بقضاء الله وقدره» ،وإليكم أحبتي في الله نماذج مشرقة للتخطيط في القرآن والسنة:
أولاً: التخطيط في القرآن الكريم:
يزخر القرآنُ الكريم بالعديد من الآيات التي تُمثل التخطيطَ، والتي لا يُمكن حصرها هنا، ومن أهمها الآيات التي نزلت في سورة يوسف – عليه السَّلام – والتي تُمثل التخطيطَ الاقتصادي الربَّاني؛ حيث يقول – تعالى -: ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ * وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ [يوسف: 43 – 49].
وقد جاء في كتب التفاسير لهذه الآيات أنَّ المطر والخصب سيأتي لمدةِ سبع سنوات متواليات، وأنَّ البقرَ هي السنين؛ وذلك لأَنَّها تثير الأرضَ التي تستغلُّ فيها الزروع والثمرات، وهن السنبلات الخضر، ثُمَّ قام يوسف بتوجيههم إلى ما يفعلونه في تلك السنين، وذلك بادخار ما استغلوه في السنوات السبع في سنبله؛ ليكونَ أبقى له، وأبعد من إسراع الفساد إليه، إلاَّ القدر أو المقدار الذي يَحتاجونه للأكل؛ بحيث يكون قليلاً، ونَهاهم عن الإسراف؛ لكي يستفيدوا في السبع الشداد، وهن السبع المحل التي تعقب السنوات السبع المتواليات، وقد بشَّرهم يوسف بأنه سيأتي عام غيث بعد عام الجدب؛ حيث تغل البلاد ويعصر الناس الزيت وغيره، كما كانت عليه عادتهم في السابق، كما اعتُبرت من قِبَلِ بعضِ الكُتَّاب بأنها موازنة تخطيطية عامة؛ حيث قام يوسف – عليه السَّلام – بعملية الموازنة بين إنتاج ادِّخار واستهلاك القمح في مصر، فوضح لنا القرآن اضطلاع يوسف بدَوره الإداري المالي الفَعَّال في إدارة أموال الدولة؛ وهذا ما أهله لوزارة التخطيط المالي والإداري في مصر : ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 55].
فانظر كيف أنقذ الله على يديه – عليه السلام- مصر وما حولها من أزمة غذائية طاحنة، ألهمه الله فخطط لها أحسن التخطيط لمدة خمسة عشر عاماً، أقام فيها اقتصاد مصر، حتى نجت من المجاعة، وخرجت من الأزمة معافاة، بل كان لها فضل على ما حولها من البلدان، التي لجأ إليها أهلها يلتمسوا عندها الميرة والمئونة، كما يبدو ذلك في قصة إخوة يوسف الذين ترددوا على مصر مرة بعد مرة، وقالوا له في المرة الأخيرة: ﴿ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾ (سورة يوسف:87). كان هذا التخطيط مما علمه الله ليوسف- عليه السلام – ومما أكرم الله به أهل مصر، وكان يوسف هو الذي رسم معالم التخطيط، وهو الذي قام بالتنفيذ، وهو لدى الدولة مكين أمين، وعلى خزانتها وأمورها حفيظ عليم.
وهاك مثال آخر للتخطيط في القرآن الكريم في مجال الدعوة إلي الله، حيث يأمر الله – سبحانه وتعالى – رسوله r بأنْ يبدأ في تبليغ الرسالة بأقربائه وأبناء عشيرته؛ لأَنَّهم الأقرب إليه، والأولى بتصديقه؛ وذلك ليكونَ بِهم قوة يعتمد عليها بعدَ الله في دخول الناس في الدعوة الإسلامية؛ قال – تعالى -: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 214 – 215]، ثم أمره – سبحانه وتعالى – بالجهر بالدعوة ، حيث أصبح للإسلام والمسلمين قوة وشوكة وعشيرة :﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الحجر: 94].
مثال ثالث: يقول الحق – تبارك وتعالى -: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ [الأنفال: 60] ، وقد وردت هذه الآية الكريمة في مجال التخطيط للحرب العسكري لوضع مواجهات للتحديات المستقبلية والاستعداد له من تَجهيز للجيوش وغيره للقتال في سَبيلِ الله. ومن صور التخطيط للحرب والثَّبات وعدم التراجُع في ميدان القتال قوله – تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45]، كما ورد في القرآن الكريم طريقة التخطيط للحرب في حالة إقامة الصلاة؛ حيث أراد الكفار في إحدى الغزوات أنْ يَميلوا على الرسول r ميلةً واحدةً أثناء تأدية الصلاة، فأوضح – سبحانه وتعالى – كيفيةَ الصلاة أثناءَ الحرب؛ حيث قال: ﴿ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ﴾ [النساء : 102].
والقرآن الكريم حافل بعديد من الأمثلة للتخطيط في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والدعوية وغيرها؛ مما لا يتسع المقام لذكره.
ثانياً: التخطيط في السنة النبوية:
حفلت السنة بعديد من الأمثلة العملية للتخطيط، ولا سيما التخطيط في الغزوات، فكان رسولنا محمد r قدوة حسنة لنا في مجال التخطيط، حيث كان r يمتلك الحكمة والفطنة والمنهج الفكري العقائدي المتمثل في الإيمان بالقدر والتوكل على الله والسعي لتحقيق الهدف الشرعي، فقد استطاع r أن يقود به الأمة الإسلامية ويحقق الانتصارات العظيمة بفضل الله ثم بفضل فطنته الإيمانية، وسيرته العطرة سجل خالد لمن أرد النجاح في الحياة، فكان r متوكلاً على ربه واثقاً بنصره يعلم أن الله كافيه وحسبه ، ومع هذا كله لم يكن r بالمتهاون المتواكل الذي يأتي الأمور على غير وجهها، بل إنه أعد خطة محكمة ثم قام بتنفيذها بكل سرية وإتقان.
ففي حدث الهجرة خطط النبي r خطة متينة محكمة، فعلىٌّ – t- على فراشه r مغطياً رأسه، وبات المجرمون ينظرون من شق الباب، يتهافتون أيهم يضرب صاحب الفراش بسيفه، وعبدالله بن أبي بكر كان يصبح مع قريش فيسمع أخبارها ومكائدها فإذا اختلط الظلام تسلل إلى الغار وأخبر النبي r الخبر فإذا جاء السحر رجع مصبحاً بمكة، وكانت عائشة وأسماء يصنعان لهما الطعام ثم تنطلق أسماء بالسفرة إلى الغار ولما نسيت أن تربط السفرة شقت نطاقها فربطت به السفرة وانتطقت بالآخر فسميت بـ( ذات النطاقين )، ولأبي بكر راعٍ اسمه عامر بن فهيرة ، كان يرعى الغنم حتى يأتيهما في الغار فيشربان من اللبن، فإذا كان آخر الليل مر بالغنم على طريق عبدالله بن أبي بكر عندما يعود إلى مكة ليخفي أثر أقدامه، واستأجر رسول الله r رجلاً كافراً اسمه عبدالله بن أريقط وكان هادياً خريتاً ماهراً بالطريق وواعده في غار ثور بعد ثلاث ليال، فتوزيع الأدوار جاء مرتباً مخططاً منظماً وفق خطة علمية مدروسة، فالقائد : محمد ، والمساعد : أبو بكر ، والفدائي : علي ، والتموين : أسماء ، والاستخبارات : عبدالله ، والتغطية وتعمية العدو : عامر ، ودليل الرحلة : عبدالله بن أريقط ، والمكان المؤقت : غار ثور ، وموعد الانطلاق : بعد ثلاثة أيام ، وخط السير : الطريق الساحلي.
وهذا كله شاهد على عبقريته وحكمته r ، وفيه دعوة للأمة إلى أن تحذو حذوه في حسن التخطيط والتدبير وإتقان العمل واتخاذ أفضل الأسباب مع الاعتماد على الله مسبب الأسباب أولاً وآخراً .
إن الله قادرٌ على حمل نبيه في غمامة أو سحابة أو يسخر له الريح – كما سخرها لسيدنا سليمان – فتحمله في طرفة عين من مكة إلى المدينة، ولكن الله يريد أن يعطينا درساً لا ننساه وهو التخطيط والأخذ بالأسباب.
كذلك كان r مثلاً أعلى للتخطيط في الغزوات، ففي غزوة بدر، لما وصل الجيش ماء بدر قال الحباب ابن منذر: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأى والحرب والمكيدة ؟ قال: بل هو الرأى والحرب والمكيدة. قال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فامض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله، ثم نغور ما وراءه من القُلُب، ثم نبنى عليه حوضاً فنملؤه ماءً، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله r: ” لقد أشرت بالرأي “.فاستحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الرأي وفعله؛ وذكر ابن سعد: أن جبريل نزل على النبي r فقال: الرأي ما أشار به الحباب، وفعلاً نجحت الخطة، ولم يستطع العدو الشرب من هذه الماء، بل أصبح القليب مقبرةً لهم، رُمِيَ فيه قتلاهم، وناداهم النبي r بأسمائهم والقصة مشهورة كما في كتب السيرة.
وفي غزوة أحد وضع النبي r خطة محكمة، فلما خالف الرماة أمره r وتركوا الجبل لاحقتهم الهزيمة في أول الأمر؛ فما إن تداركوا خطورة الأمر حتى كان النصر حليفهم، فعَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَقِينَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ r جَيْشًا مِنْ الرُّمَاةِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ، وَقَالَ: لَا تَبْرَحُوا إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلَا تَبْرَحُوا، وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلَا تُعِينُونَا، فَلَمَّا لَقِينَا هَرَبُوا حَتَّى رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الْجَبَلِ رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ قَدْ بَدَتْ خَلَاخِلُهُنَّ ، فَأَخَذُوا يَقُولُونَ الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ r أَنْ لَا تَبْرَحُوا فَأَبَوْا فَلَمَّا أَبَوْا صُرِفَ وُجُوهُهُمْ فَأُصِيبَ سَبْعُونَ قَتِيلًا” ( البخاري )
وفي غزوة الأحزاب لما علم الرسول الكريم r بالأمر ، استشار أصحابه وقادته في الحرب ، فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خندق في مشارف المدينة ، اعتماداً علي خبرته في حرب الفرس، وقال: ” يا رسول الله، إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خندقنا علينا ” فاستحسن الرسول والصحابة رأيه ، وعملوا به ، وبدت طلائع جيوش المشركين مقبلة على المدينة من جهة جبل أحد ، ولكنهم فوجئوا بوجود الخندق ، حيث أنهم ما كانوا متوقعين هذه المفاجأة ، وحينما اشتد الكرب علي المسلمين، دعا رسول الله r علي الأحزاب فاستجاب الله عز وجل لنبيه r، فهبت وأقبلت بشائر الفرج والنصر، ورجعت قريش والأحزاب خائبين منهزمين، وانفك الحصار، وعاد الأمن، وثبت المؤمنون، وانتصر الإيمان..
كما أن التخطيط لمستقبل أولادك أمر واجب عليك، حتى تضمن لهم حياة كريمة وشريفة، فإنني أعجب كل العجب ممن يتزوج امرأتين وثلاث وأربع – مع عدم اعتراضي على ذلك بل أشجعه – وينجب من كل واحدةٍ خمسة أولاد أو ستة ثم يتركهم رعاعاً متشردين.
انظر إلي تخطيط النبي لخاله سعد بن أبي وقاص حينما حضره الموت، يقول :” مَرِضْتُ عَامَ الْفَتْحِ حَتَّى أَشْفَيْتُ عَلَى الْمَوْتِ ، فَعَادَنِي رَسُولُ اللهِ r، فَقُلْتُ : أَيْ رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ لِي مَالاً كَثِيرًا وَلَيْسَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ لِي ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لاَ. قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لاَ. قُلْتُ: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إِنَّكَ أَنْ تَتْرُكَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَتْرُكَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ.”(البخاري)
إن مجتمعنا في حاجة ماسة إلي قيمة التخطيط – أسوة بنبينا r – حتى ننهض فكرياً واقتصادياً وسياسياً وعسكرياً …….إلخ
العنصر الثاني: عناصر التخطيط الناجح من المنظور الإسلامي:
يشترط للتخطيط الناجح عدة عناصر لابد من توافرها تتمثل فيما يلي:
1- تحديد الأهداف: قد يكون الإنسان معه مال يتخبط به وليس لديه هدف محدد؛ فلا يمكن له الاستفادة بماله، فإذا حدد هدفه فإن ماله ينصرف لهذا الهدف ويبني مستقبلاً كريماً، وقد حثنا القرآن على ذلك في قوله عز وجل: } أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ { (الملك: 22).
2- تحديد الأولويات:ويتجلَّى ذلك في دعوة النبي r ، حيث بدأ بأهله قبل غيرهم: } وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ{ (الشعراء: 214). ويتَّضح كذلك من خلال وصية النبي r لمعاذ بن جبل t عندما بعثه إلى اليمن فبدأ بالأهم فالأهم: (التوحيد ـ الصلاة ـ الزكاة). والحديث في البخاري.
3- الأخذ بمبدأ تكافؤ الفرص: وذلك بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وهذا ما سلكه النبي r مع الصحابة ، فعن رافع ابن خديج t قال: قدم رسول الله r المدينة وهم يأبرون النخل فقال: (ما تصنعون ؟) قالوا: كنا نصنعه، قال: (لعلكم لو لم تفعلوا كان خيراً) فتركوه فنفضت، فذكروا ذلك له فقال: (إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشئ من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشئ من رأيي فإنما أنا بشر) وفى رواية أنسt (أنتم أعلم بأمر دنياكم) (مسلم)، فهب أنك أدخلت مدرس العربي يدرس حصة الرياضيات مثلاً، فإنه حتماً سيفشل في توصيل المعلومة ، بل يؤسس مجتمعاً فاشلاً، وقس على ذلك جميع مجالات الحياة ومؤسسات الدولة.
4- استثمار جميع الموارد المتاحة: ويتضح ذلك في قوله تعالى: }هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ{ (الملك: 15).
5- بذل الأسباب والوسائل المشروعة: } وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ{ (الأنفال: 60). وقال r : “المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز” (مسلم )
وانظر إلى السيدة مريم وقد جاءها طلق الولادة ( المخاض) ومع ذلك أمرها الله أن تأخذ بالأسباب فقال: } وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ، فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا { ( مريم 25 ، 26 ) خبِّرني بالله عليك، امرأة في طلق الولادة تستطيع هز نخلة؟!! والله لو جئنا بعشرة رجال أقوياء ما استطاعوا لذلك سبيلاً !!! ولكن الله أراد أن يعلمنا درس الأخذ بالأسباب.
5- تعليق النتائج بمشيئة الله تعالى: ( اعقلها وتوكل) وذلك بعد تفريغ الجهد في الأخذ بالأسباب والتوكُّل على الله، قال تعالى: } وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ{ (الكهف: 23 ـ 24).
6- التوفيق الإلهي: ” وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أنِّي فعلت كذا كان كذا، ولكن قُل: قدَّر الله وما شاء فعل، فإن «لو» تفتح عمل الشيطان” ( ابن ماجه ) ، وهذا ما يدعو إلى التفاؤل والمثابرة والانطلاق بجدٍّ وعزيمة، لا اليأس والإحباط.
العنصر الثالث: ثمرات وفوائد ونتائج التخطيط في الإسلام:
للتخطيط ثمرات وفوائد ونتائج نافعة تعود على الفرد والمجتمع تتمثل فيما يلي:
1ـ ينجز أعماله كلها، ويقوم بواجباته جميعاً.
2ـ يحقق التوازن بين واجباته وأعماله، فلا تطغى أعماله الفكرية على واجباته الاجتماعية، ولا تنسيه اهتماماته البيتية واجباتِهِ الإنسانية، ولا تصرفه هذه الواجبات والاهتمامات والأعمال جميعاً عن العناية بأموره الشخصية.
3ـ يجد في وقته بركة وسَعَةً تعينه على المزيد من قضاء الواجبات والأعمال.
4ـ يشعر في خاتمة المطاف براحة نفسية، ولذّة روحية، تعزّان على الوصف، ولا تقدّران بثمن، إذْ ما من شيء أحبَّ إلى نفس الإنسان من شعوره بقيامه بواجباته وإنجازه الأعمال التي نيطت به، إنه ليحسُّ بعدها بنشوة غامرة، وراحة بهيجة، وغبطة طائرة، وكأنَّ جبالاً من الأثقال والكروب قد أزيحت عن صدره، فإذا هو طليق مرفرف مبتهج سعيد، تنعكس فرحته وسعادته على أسرته وأصدقائه، وكلِّ من يحيط به، وكلُّ ذلك بفضل التخطيط والتنظيم والاستفادة من الوقت، وعلى العكس من ذلك لو مر عليك يوم لم تستفد منه شيئاً ، ولم تعمل لنفسك أو أهلك أو وطنك ومجتمعك؛ فإنك تحس بضيق وهم وغم وحزن ، وكل ذلك راجع إلى الفراغ والضياع وسوء التخطيط، وصدق المصطفى r حيث يقول:” نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ” (البخاري)
فاحرصوا – أيها الشباب – على أوقاتكم، بملئها بالعمل النافع المفيد، مستعينين على ذلك بالتخطيط والتنظيم والترتيب، واذكروا أنكم لا تملكون إلا هذه اللحظة التي تتنفسّون فيها، فالماضي من حياتكم قد انسلخ منكم، وأضحى في ذمَّة التاريخ، والمستقبل مُغيَّب مجهول ، لا يعلمه إلا الله، وكل ما تستطيعون أن تقدموه لأنفسكم ودينكم وأمتكم، إنما هو في اللحظة التي لا تملكون سواها، فاملئوها بالتخطيط والتنظيم والترتيب تعد عليكم بأطيب النتائج، وأشهى الثمرات.
وما أجمل قول عُمَرَ t: ” إِنِّي لأَكْرَهُ أَنْ أَرَى أَحَدَكُمْ سَبَهْلَلاً لاَ في عَمَلِ دُنْيَا ولاَ في عَمَلِ آخِرَةٍ”، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول : “إني لأكره أن أرى الرجل فارغاً ، لا في عمل الدنيا ، ولا في عمل الآخرة “، فاعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً.
وكما تُخطط لدنياك خَطِّط لآخرتك، وذلك بعمل خطة وجدول لصلاتك وقيامك وقراءتك للقرآن واطلاعك ……..إلخ، وضع لنفسك عقاباً إن قصرت، فمثلاً إن قصرت في صلاة جماعة مرة أتبرع بجنيه للمسجد، فيكون عقابك طاعة، وهكذا في جميع طاعاتك المدرجة في جدول التخطيط والتنظيم، واعلم أن كل يوم يمر عليك دون عمل، لابد أن تحزن عليه، كما قال عبدالله بن مسعود t : ” ما حزنت على شيء قط حزني على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي “
بل ستندم ولا ينفعك الندم، فعن أبي هريرة t يقول: قال رسول الله r : ” ما من أحد يموت إلا ندم. قالوا: وما ندامته يا رسول الله ؟ قال: إن كان محسناً ندم أن لا يكون ازداد، وإن كان مسيئاً ندم أن لا يكون نزع” ( الترمذي )
الدعاء…….. وأقم الصلاة،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
دكتوراه فى الدعوة والثقافة الإسلامية